السبت، 14 أكتوبر 2017

القانون الأول للديناميكا الحرارية وتطبيقه على الأنظمة المغلقة

التعرف على الحرارة والطاقة الداخلية كصورتان من صور الطاقة جعل تعميم قانون الحفاظ على الطاقة الميكانيكية ليشتمل على الحرارة والطاقة الداخلية جنباً إلى جنب مع الشغل وطاقتى الوضع والحركة الخارجيتين ممكناً، فى الحقيقة هذا التعميم قد يتطور ليضم صوراً أخرى مثل طاقة التوتر السطحى، الطاقة الكهربية، والطاقة المغناطيسية، هذا التعميم كان مسلماً به فى البداية، ولكن تراكم الأدلة الساحقة عبر السنين جعل منه أساسا لقانون الطبيعة الأول، المعروف بالقانون الأول للديناميكا الحرارية.
جمع وصياغة أولية: مهندس / محمد كمال عبدالعزيز 
مراجعة علمية وصياغة نهائية: مهندس / نور الدين إبراهيم إسماعيل



تجارب جول

ظهر مفهوم الحرارة المتداول اليوم وعلاقتها بالشغل فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر. نتيجة لتجارب العالم جيمس جول (James P. Joule)، والتى أجراها فى قبو منزله بالقرب من مدينة مانشيستر، بإنجلترا خلال العقد التالى لـ 1840.
كانت العناصر المكونة لتجارب جول بسيطة، ولكنه اتخذ اجراءات وقائية متقنة لتأمين أكبر قدر من الدقة. قام جول بوضع كميات معينة من الماء، الزيت، والزئبق فى وعاء معزول وقام بتقليب الموائع باستخدام قلاب دوار، تم حساب الشغل المبذول على المائع بواسطة القلاب بدقة، وتدوين تغيرات درجة حرارة المائع بحرص، واكتشف أن كل مائع، يحتاج كمية ثابتة من الشغل لكل وحدة كتل لرفع درجة حرارته درجة مئوية واحدة بواسطة التقليب، وأنه يمكن استرجاع درجة الحرارة الإبتدائية عن طريق انتقال الحرارة وذلك بملامسة الوعاء لجسم بارد، وبهذا استطاع جول اثبات وجود علاقة كمية بين الشغل والحرارة، ومنها استنتج أن الحرارة هى أحدى صور الطاقة.

الطاقة الداخلية (Internal Energy)

فى مثل تلك التجارب التى أجراها جيمس جول، أضيفت الطاقة للمائع فى صورة شغل، ولكن هذه الطاقة انتقلت من المائع فى صورة حرارة، إذاً ما الذى يحدث للطاقة فى الفترة منذ إضافتها وحتى انتقالها من المائع؟ المبدأ العقلانى الذى يفسر ذلك هو أن الطاقة اختُزنت فى المائع فى صورة أخرى تسمى الطاقة الداخلية.
لا تتأثر الطاقة الداخلية لأي مادة بالطاقة المكتسبة نتيجة للتغيرات العيانية فى موضعها أو حركتها(طاقتي الوضع و الحركة)، ولكنها تشير إلى طاقة الجزيئات الداخلية للمادة نتيجةً للحركة المستمرة، تمتلك كل الجزيئات طاقة حركية للانتقال؛ ماعدا الجزيئات أحادية الذرة، وتمتلك أيضاً طاقة حركية للدوران والحركة الاهتزازية، ومن ثم فإن إضافة حرارة إلى المادة يزيد من نشاطية الجزيئات، مسبباً زيادة فى طاقتها الداخلية، و يكون تأثير الشغل المبذول على المادة مماثلاً لتأثير الحرارة، كما أثبت جيمس جول سابقاً.
تشتمل الطاقة الداخلية أيضاً على طاقة الوضع نتيجة لوجود قوى بينية بين الجزيئات (تعتبر جزئية متقدمة جداً لدارسى الديناميكا الحرارية، نتناولها بشيئ من التفصيل فى مقالات أخرى)، وعلى المستوى تحت-الجزيئى، ترتبط الطاقة بإلكترونات ونويات الذرات، وبطاقة الروابط التى تربط الذرات معاً. هذا النوع من الطاقة يسمى الطاقة الداخلية للتفريق بينه وبين طاقتى الوضع والحركة المصاحبتين للمادة نتيجة للتغيرات العيانية فى وضعها أو حركتها، والتى يمكن اعتبارها صور للطاقة الخارجية.
لا يوجد تعريف مصغر للطاقة الداخلية، فلا يمكن قياسها بصورة مباشرة؛ ولا توجد أجهزة لقياسها، ونتيجة لذلك، فإن قيمها المطلقة غير معلومة، ولكن هذا لا يجعل منها عيباً فى التحليل الديناميكى-الحرارى للأنظمة، حيث أننا نحتاج فقط معرفة التغير فى الطاقة الداخلية للنظام.


القانون الأول للديناميكا الحرارية
التعرف على الحرارة والطاقة الداخلية كصورتان من صور الطاقة جعل تعميم قانون الحفاظ على الطاقة الميكانيكية ليشتمل على الحرارة والطاقة الداخلية جنباً إلى جنب مع الشغل وطاقتى الوضع والحركة الخارجيتين ممكناً، فى الحقيقة هذا التعميم قد يتطور ليضم صوراً أخرى مثل طاقة التوتر السطحى، الطاقة الكهربية، والطاقة المغناطيسية، هذا التعميم كان مسلماً به فى البداية، ولكن تراكم الأدلة الساحقة عبر السنين جعل منه أساسا لقانون الطبيعة الأول، المعروف بالقانون الأول للديناميكا الحرارية.
النص المقنن له هو:
“Although energy assumes many forms, the total quantity of energy is constant, and when energy disappears in one form it appears simultaneously in other forms.”
" رغم وجود الطاقة فى عدة صور، إلا أن الكمية الكلية للطاقة ثابتة، وعندما تختفى الطاقة فى أحد صورها فإنها تظهر فى صور أخرى متوازية"


عند تطبيق القانون الأول على أى عملية، تنقسم دائرة تركيزنا إلى قسمين، النظام والمحيط. المنطقة التى تتم بها العملية هى النظام؛ وأى شئ آخر يتفاعل مع النظام يكون المحيط، قد يكون النظام بأى حجم اعتماداً على التطبيق، وحدوده قد تكون حقيقية أو تخيلية، صلبة أو مرنة، كثيراً ما يتكون النظام من مادة واحدة، وفى بعض الأحوال قد يكون معقداً، على أى حال تكتب معادلات الديناميكا الحرارية بناءً على أنظمة مُعَرَفة جيداً، وهذا من دوره يركز إنتباهنا على العملية موضع الدراسة وعلى المعدات والمواد المقحمة فى العملية بصورة مباشرة، ولكن القانون الأول يطبق على النظام والمحيط مجتمعين، وليس على النظام منفرداً، وفى صورته الأولية، يتطلب استخدامه كالآتى:
التغير فى طاقة النظام + التغير فى طاقة المحيط = صفر
حيث الرمز الدال على الفرق "Δ" يمثل تغيرات محدودة للكميات المبينة بين الأقواس، بالنسبة للنظام قد يحدث تغير فى طاقته الداخلية، أو طاقة وضعه أو طاقته الحركية، أو طاقة الوضع أو الطاقة الحركية لأجزاء معينة منه، وحيث أن اهتمامنا ينصب على النظام، فلا تعنينا طبيعة التغيرات فى طاقة المحيط.
فى الديناميكا الحرارية، يشار للحرارة والشغل على أنهما طاقة فى حالة انتقال عبر الحدود التى تفصل النظام عن محيطه، هاتان الصورتان من الطاقة لا يمكن تخزينهما فى جسمٍ أو نظامٍ ما، حيث أن الطاقة لا تختزن إلا فى صورة طاقة وضع، طاقة حركية، أو طاقة داخلية؛ حيث تستقر الطاقة مع المادة نتيجةً لوضع المادة، الترتيب الداخلى لجزيئاتها، أو حركتها.

موازنات الطاقة على الأنظمة المغلقة

يقال عن نظامٍ ما أنه مغلق إذا كانت حدود النظام لا تسمح بانتقال المادة بين النظام ومحيطه، وتصبح كتلته ثابتة بالضرورة، وحيث أن تطوير المبادئ الأساسية للديناميكا الحرارية يعتمد على الفحص الحَذِر للأنظمة المغلقة، سنتناول دراستها بالتفصيل فى الأجزاء القادمة من هذا المقال، أما بالنسبة للعمليات الصناعية والتى تتضمن بالضرورة انتقال المواد عبر حدود النظام كتيارات مُتَدَفِقَة، فمثل هذه الأنظمة يقال أنها أنظمة مفتوحة، سنتناولها بشرح وافٍ فى مقال آخر.
بما أنه لا توجد تيارات (streams) تدخل أو تغادر النظام المغلق، فلا يحدث انتقال للطاقة الداخلية عبر حدود النظام، وتكون عمليات تبادل الطاقة جميعها بين النظام المغلق ومحيطه فى صورة حرارة أو شغل، ويكون التغير الكلى فى طاقة المحيط مساوٍ لصافي الطاقة التى تنتقل من المحيط أو إليه فى صورة حرارة أو شغل، ويمكن استبدال الجزء الثانى من المعادلة السابقة ليصبح:
اختيار إشارات كلاً من الشغل والحرارة يعتمد على إتجاه الانتقال الذى ينظر إليه على أنه الإتجاه الموجب.
الحرارة Q والشغل W دائماً ما يشيرا إلى النظام، والإتفاقية الحديثة للإشارة تَعتبر القيم العددية لكلتا الكميتين موجبة عند انتقالها من المحيط إلى النظام. يقابلهما فى المحيط الكميتان Qsurr و Wsurr، وتكون لهما إشارة مخالفة. أى أن Qsurr = - Q و Wsurr = - W. وتأخذ المعادلة السابقة الشكل:
وحيث أن:
إذا التغير فى طاقة النظام يتعين من:
نتيبن من هذه المعادلة أنه لأى نظام مغلق، التغير فى الطاقة الكلية للنظام تساوى صافي الطاقة التى تنتقل للنظام كحرارة أو شغل.
غالباً ما تكون العمليات التى تُجرى على الأنظمة المغلقة تستهدف تغيير الطاقة الداخلية للنظام فقط، وهو ما يجعل المعادلة السابقة تأخذ الصورة:
حيث الـ Ut تمثل الطاقة الداخلية الكلية للنظام، ويمكن تطبيق المعادلة السابقة على الأنظمة التى تتضمن تغيرات محددة فى الطاقة الداخلية للنظام، أما بالنسبة للتغيرات التفاضلية:
تطبق كلتا المعادلتين على الأنظمة المغلقة – بأحجامها المتفاوتة – التى تتضمن تغيراً فى الطاقة الداخلية فقط، وتمثل قيم Q، W، وUt النظام من الداخل، والذى – بطبيعة الحال – لابد وأن يكون مُعَرَفاً لنتمكن من دراسته.
لابد وأن نستخدم نفس الوحدات لكل جزء من أجزاء المعادلتين السابقتين، الجول هو الأكثر استخداماً وهو وحدة الطاقة فى النظام العالمى للوحدات، من أمثلة الوحدات الأخرى المستخدمة m.kgf، calorie، ft.lbf، وBtu.
بعض الخواص مثل الحجم Vt والطاقة الداخلية تعتمد على كمية المادة فى النظام وتعرف بأنها “extensive”، على النقيض، فإن الضغط ودرجة الحرارة كلاهما لا يعتمد على كمية المادة، لذلك يقال أنهما “intensive”.
يمكن التعبير عن الحجم والطاقة الداخلية بأكثر من صورة مثل:
حيث الرموز العادية مثل الـ V والـ U تمثل الحجم والطاقة الداخلية لوحدة كمية من المادة، إما وحدة كتلة أو وحدة مولية، مثل هذه الخواص يطلق عليها خواص نوعية أو مولية، وهى خواص intensive، لا تعتمد على كمية المادة.
على الرغم من أن الـ Vt والـ Ut للأنظمة المتجانسة تعتبر خواص extensive إلا أن الحجم النوعى، الحجم المولى، والطاقة الداخلية النوعية والمولية جميعها intensive.
لاحظ أن بعض الخواص مثل الضغط ودرجة الحرارة تعتبر intensive ولكنها لا تعتمد على أى خاصية extensive عكس الحال فى المثال السابق.
لأى نظام مغلق يحتوى على عدد n من المولات:
المعادلات على شاكلتها الحالية، تعرض كمية المادة التى يحتوى عليها النظام بشكلٍ واضح.
غالباً ما تكتب المعادلات فى الديناميكا الحرارية لتمثل وحدة كمية من المادة، إما وحدة كتلة أو وحدة مولية، لذلك عند n = 1 تصبح المعادلتان السابقتان:
المعادلة التالية:
تمثل المصدر الأوحد لجميع المعادلات التى تربط الطاقة الداخلية بكميات يمكن قياسها، وهى لا تمثل تعريف للطاقة الداخلية؛ ولا يوجد تعريف من الأصل، ولا حتى تقودنا لإيجاد قيم مطلقة للطاقة الداخلية، إنما تمدنا بطرقٍ لحساب التغيرات التي تحدث فى الطاقة الداخلية، وبدونها لم يكن من الممكن صياغة القانون الاول للديناميكا الحرارية، فى الحقيقة، يتطلب القانون الأول للديناميكا الحرارية تأكيد مسبق على وجود الطاقة الداخلية، وطبيعته تتلخص فى الحقيقة الناصعة التالية:
" يوجد صورة من صور الطاقة، تعرف بالطاقة الداخلية U، وهى خاصية جوهرية فى النظام، تتعلق بالخواص التى يمكن قياسها والتى تميز النظام."
لأى نظام مغلق، لا يتحرك، التغيرات فى الطاقة الداخلية تعطى بالمعادلتين:
مثال:
تنحدر المياه عبر شلال مائى ارتفاعه 100 متر. باعتبار أن النظام يتكون من 1 kg من الماء، وبافتراض أنه لا يحدث انتقال للطاقة بين النظام ومحيطه.
  1. ما قيمة طاقة وضع الماء عند قمة الشلال بالنسبة لقاعدته؟
  2. ما قيمة الطاقة الحركية للماء قبل ارتطامه بالنهر؟
  1. بعد دخول 1 kg من الماء للنهر أسف الشلال، ما التغير الحادث فيه حالة الماء؟
الحل
بما أنه لا يحدث انتقال للطاقة بين النظام والمحيط تتقلص العلاقة:
إلى الصورة المبسطة:
وحيث أن طاقة النظام تتمثل فى طاقة الوضع، الطاقة الحركية، والطاقة الداخلية:
ΔU + ΔEK + ΔEP = 0
هذه المعادلة تطبق على جميع أجزاء العملية.
  1. من المعادلة EP = mzg وg  تساوي قيمتها القياسية:
EP = mzg = 1 kg x 100 m x 9.8066 m s-2
EP =980.66 kg m2/s2 = 980.66 N m = 980.66 J
  1. أثناء السقوط الحر للماء لا توجد آلية لتحويل طاقة الوضع او طاقة الحركة لطاقة داخلية، لذلك ΔU لابد وأن تساوى الصفر:
ΔEK + ΔEP = EK2 – EK1 + EP2 – EP1 = 0
وبافتراض أن EK1 = EP2 = 0 وهو افتراض سليم:
EK2 = EP1 = 980.66 J
  1. عند ارتطام 1 kg من الماء بالنهر واختلاطه مع ماء النهر، يكون للاضطراب الناتج القدرة على تحويل طاقة الحركة إلى طاقة داخلية. خلال هذه العملية يكون ΔEP بصفر:
ΔU + ΔEK = 0 → ΔU = EK2 – EK1
وبافتراض أن سرعة الماء فى النهر صغيرة، تصبح EK1 مهملة:
ΔU = EK2 = 980.66 J


ويصبح الناتج النهائى للعملية هو تحويل طاقة وضع الماء إلى طاقة داخلية، هذا التغير فى الطاقة الداخلية يتجلى فى ارتفاع درجة حرارة الماء، وحيث أنه يلزم طاقة مقدارها 4184 J/kg لرفع درجة حرارة الماء درجة مئوية واحدة، فإن مقدار الارتفاع فى درجة الحرارة يساوى 980.66/4184 = 0.234 K بشرط ألا يحدث انتقال للحرارة مع المحيط.

المصادر والمراجع


[1] Smith, J. M. (ed.), van Ness, H. C., and Abbott, M. Introduction to Chemical Engineering Thermodynamics. 5th ed. New York: McGraw-Hill.

[2] Stanley I. Sandler, “Chemical, Biochemical, and Engineering Thermodynamics”, Fourth Edition, 2005, John Wiley & Sons, Inc.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق